الخميس، 17 فبراير 2011

أبحاث الدماغ ودلالتها فى التعليم المبكر (مدخل الى رياض الاطفال)

هل معرفة أجزاء الدماغ ووظائفها مهم في التعليم؟

كيف يتعلم الدماغ؟
نحن الآن على عتبة ثورة تتمثل في تطبيق الأبحاث المهمة الجديدة عن الدماغ على عملية التعلم والتعليم . قد لا يؤكّد لنا البحث الدماغي أي الإستراتيجيات هي الأفضل داخل قاعة الدراسة، إلا أن المعلومات التي يعطينا إياها باستمرار تشكل أساساً مهماً لاتخاذ القرارات داخل المدرسة والصف.
فعلى سبيل المثال، تُظهر:   صور الدماغ بأجهزة المسح أن الفصوص الأمامية من الدماغ القارئ، تنشط بشكل أكبر بكثير في القراءة الصامتة منها في القراءة الجهرية. والنشاط في الفصوص الأمامية، هو في الغالب، مؤشر لمهارات التفكير العليا. أما في القراءة الجهرية فتظهر الصور نشاطاً كبيراً في الجهة الدماغية المسؤولة عن الحركة والتي تتحكم بعملية النطق.
كيف يمكن أن نترجم هذه المعلومات تربوياً
إن تحقيق الفهم هو أعلى في القراءة الصامتةهذا طبعاً لا يعني أن نلغي القراءة الجهرية ولكن على المعلمين إيجاد التوازن بين القراءة الصامتة والقراءة الجهرية وذلك من أجل قياس لتقييم الفهم من جهة والتهجئة من جهة ثانية، بحسب الحاجة.

الخلية
من المعروف أن كل جسم الإنسان يتألف من خلايا، والخلايا التي يتكون منها الدماغ هي خلايا الجهاز العصبي وهي نوعان:
- الخلايا العصبية Neurons
- الخلايا الغروية Glial
لا يمكن أن نفهم الدماغ المتعلم من دون شرح مختصر لعمل خلايا الدماغ ووظائفها.

)أ( الخلايا العصبية:
وهي التي تجعل الدماغ عنصر التعلم والتفكير، وعددها يقارب المائة بليون.  وهذا العدد هو نصف ما يمتلكه طفل يبلغ السنتين من العمر، إذ أن الإنسان يفقد كل يوم خلايا من دماغه بسبب الاحتكاك والتحلل .
 تختلف خلايا الدماغ
العصبية عن سائر خلايا الجسم بطريقتين أساسيتين:
} الطريقة الأولى}  : إنها لا تتوالد بطريقة مبرمجة ومنظمة كسائر الخلايا، وهذا ما يفسر أنه عندما نجرح أنفسنا فإن الجرح يلتئم في غضون أيام أو أسبوع وذلك بسبب توالد خلايا العضل والجلد، أما عندما يتعرض الدماغ لنوبة أو حادث فإن الخلايا المتضررة لا تجدد نفسها بنفس الطريقة، إلا أن الجديد في هذا المجال أن هناك دراسات عديدة تظهر أن دماغ الإنسان الراشد يمكن أن يوّلد خلايا جديدة إلا أن العملية التي من خلالها يحدث هذا وكيف تعمل هذه الخلايا الجديدة لا زال في طور البحث.
} الطريقة الثانية} : قدرتها على نقل المعلومات، فالخلايا العصبية تتواصل مع بعضها البعض لتشكل شبكات أو ارتباطات عن طريق الإشارات الكهربائية والمواد الكيميائية، ولتفهم عمل الخلايا العصبية ننظر إلى )الشكل
* * الخلية العصبية تتكون من جسم الخلية الشجيرات العصبية والمحور العصبي.
الشجيرات العصبية تستقبل المعلومات من الخلايا الأخرى، والمحور العصبي يرسل المعلومات إلى الخلايا الأخرى. بمعنى آخر، تعمل الشجيرات العصبية كجهاز استقبال، ويعمل المحور العصبي كجهاز إرسال، ولكل خلية عصبية محور عصبي واحد تمتد منه فروع تنتهي بعقد تسمى نهايات محورية.
)ب( الخلايا الغروية:
حوالي 90 % من خلايا الدماغ هي خلايا غروية ويوجد لدى الإنسان فيها ما يقارب ألف بليون خلية. وهي مختلفة تماماً عن الخلايا العصبية، إذ لا تملك الخلية الغروية جسماً.  وهي عدة أنواع ولها عدة وظائف، منها: تكوين حاجز دم الدماغ، نقل العناصر الغذائية، تنظيم جهاز المناعة .

أجزاء الدماغ
بما أن التعلم يبدأ من الخلايا العصبية، فمن المهم جداً فهم كيف تعمل. لكي نفهم تفاصيل هذه العملية سنعرض باختصار أجزاء الدماغ التي تتكون من هذه الخلايا وهي:
*جذع الدماغ )أو ساق الدماغ(: غالباً ما يسمى الدماغ السفلي وهو مسؤول عن الوظائف اللاإرادية مثل: التنفس ونبض القلب وضغط الدم... الخ.
*المخيخ  Cerebellum: الأبحاث التقليدية تربط المخيخ بالتوازن، والوقوف، والتنسيق، وحركة العضلات. أما الأبحاث الحديثة فتربطه بالتفكير، والجدة والانفعالات.
*الثلاموس Thalamus: هو بمثابة محطة تقوية حسيّة أساسية، كما أنه أيضاً جزء من نظام المكافأة للجسم ويلعب دوراً مهماً في تنظيم الإدراك وسائر وظائف الجسم الحياتية.
* الهايبوثلاموس : Hypothalamusهو تركيب معقد شبيه بميزان الحرارة يؤثر على وينظم: الشهية، وإفراز الهرمونات، والهضم، والدورة الدموية، والانفعالات والنوم ويلعب دوراً مهماً في تنظيم الإدراك وسائر وظائف الجسم الحياتية.
* اللوزة Amygdala: بسبب ارتباطها بقرن أمون )الهيبوكامبوس(، فإنها تلعب دوراً
في معالجة الذاكرة المشحونة بالانفعالات.  وهي تحتوي على عدد ضخم من مواقع الاستقبال المهدئة ذات الصلة بمشاعر الغضب، والخوف.  بعض الأبحاث الحديثة يشير أن اللوزة تخزن ذكريات عاطفية تحرك ردات فعل عفوية غير مرتبطة بوعي الذاكرة.
* هيبوكامبوسHyppocampus
قرن أمون: هو معني بقوة بالتعلّم وبتكوين الذاكرة. تظهر الدراسات أنه عندما تحفظ الأحداث في الذاكرة البعيدة المدى فهي لا تحتاج إلى الهيبوكامبوس لاسترجاعها.
* القشرة الدماغية Cerebral cortex
الطبقة الخارجية من الدماغ وهي متجعدة وتتكون من ست طبقات ومغلفة بخلايا الدماغ العصبية. أظهرت الأبحاث أن لكل منطقة في القشرة الدماغية وظيفة مختلفة وهي مقسمة إلى أربع مناطق كالتالي:
- الفص الخلفي ) Occipital lobe (: هو أحد الأجزاء الأربعة الرئيسية من الدماغ الأعلى ومختص بمعالجة عمليات الرؤية والأجزاء الثلاثة الأخرى ) أي هي الجزء الجانبي، والجزء الأمامي، والجزء الصدغي(.
لاحظ أنه ممكن لشخصين أن ينظرا إلى نفس الشيء وأن يرياه شيئين مختلفين ذلك لأن منطقة الإدراك البصري تسمح بإدراك المنبه الحسي (أي الشيء(  ثم تحدد القشرة الخاصة بالأبصار المعلومات البصرية المخزنة سابقاً، ولا يصبح الشيء المرئي ذا معنى إلا إذا تطابق مع معلومات سابقة منظمة ومحفوظة في الدماغ. لذلك عندما نطلب من المعلم أن يشرك التلاميذ بأهداف النشاط التعليمي فذلك لأنه يسمح للدماغ بأن يتوقع الأفكار أو المظاهر أو المعلومات .
-الفص الصدغي :
يعتقد بأن هذه الفصوص مسؤولة عن السمع، والحواس، والإصغاء، واللغة، والتعلم، وبعض أنواع الذاكرة. والفص الصدغي يحتوي على منطقة Wernick’s area المسؤولة عن النطق.
- الفص الجانبي
يقع في رأس الدماغ الأعلى. وأي تلف في خلايا هذا الجزء من الدماغ يؤثر على إحساس الإنسان بالألم وباللمس وبتحديد موقعه المكاني. مثال عن الطريقة التي يعمل بها الفص الجانبي: إذا كنت تنتعل حذاءاً ضيقاً سيصبح تركيزك على قدميك الموجوعتين، إذا خلعت الحذاء ستتوقف الخلايا المستبقية لهذا الإحساس عن إرسال إشارات قوية لك حول هذا الموضوع وتسمح بانتقال تركيزك إلى مسألة أخرى.
- الفص الأمامي
 هو مسؤول طوعياً عن ضبط الحركة، والتعبير اللفظي، وحل المشكلات، وقوة الإرادة، والتخطيط. وهو يحتل المساحة الأكبر من الدماغ ويؤدي الوظائف المعقدة. وهو الجزء الذي تطوّر كثيراً عبر السنوات والذي يميز الإنسان بشكل بارز وهو المسؤول عن الوعي الإدراكي عند الإنسان لكل الوظائف التي يقوم بها. هذا الجزء هو الذي يثير الوعي لدى الإنسان، وهو الذي يجعله يفكر ويحس وبالتالي يتصرف..... هذا الجزء مسؤول أيضاً عن تنظيم الانفعالات ما قد يفسر حالات الغضب السريع عند بعض التلاميذ.
من المهم ملاحظة إن أجزاء كثيرة من الدماغ تعمل معاً عند كل تصرف يقوم به الإنسان. هناك ارتباط معقد ما بين عمليات كل هذه الأجزاء.
تجدر الملاحظة أن كل الأجزاء التي ذكرت تتواجد كزوجين، إذا نظرنا إلى الدماغ من فوق، يظهر أنه مؤلف من قسمين متطابقين تقريباً:
النص الأيسر والنص الأيمن. ويرتبط هذان النصفين بحزم من الألياف العصبية يعرف أكبرها بالجسم الجاسئ ) Corpus callusm (. هذا التداخل الحر بين نصفي الكرة الدماغية يسمح لكل جانب من الدماغ بتبادل المعلومات بحرية أكثر.
بصفة عامة يعالج النصف الأيسر من الدماغ الأشياء التي تكون جزئية ومتسلسلة. فالموسيقيين المتمرسون يعالجون الموسيقى في النصف الأيسر فيما يعالجها المبتدئون في النصف الأيمن، كذلك الأمر في المهام المتعلقة باللغة. أما في المهام المتعلقة بالرياضيات والشطرنج وحل المشكلات، فإن النصف الأيمن يظهر نشاطاً أكبر، تظهر
بعض الأبحاث أن الجانب الأيسر يفسر العواطف الإيجابية فيما يفسر الأيمن العواطف السلبية.
باختصار إن الفصل التام في مهام كل نصف لم تعد تؤيده نتائج الأبحاث الجديدة بل تظهر أن النصفين يعملان بتكامل. مثلاً: خلال المحادثة، يسمح النصف الأيسر لنا بالنطق ولكن النصف الأيمن هو الذي يعطي التلوين الصوتي الذي يساعد على إيصال الرسالة التي تريدها: « هذا رائع » تعبير قد ينم عن إعجاب حقيقي أو سخرية بحسب السياق والتعبير عن السياق وفهمه بالشكل الصحيح يحتاج إلى عمل الدماغ بشكل
متكامل.
ما الفائدة التربوية من دراسة نتائج أبحاث الدماغ ؟
يبقى السؤال هل معرفة الوظائف الخاصة بكل من نصفي الكرة الدماغية مهم لنا كتربويين؟!
هل يساعدنا أن نعرف أن النصف الأيسر يعطينا النص والأيمن يساعد لفهم السياق
والمعنى؟
قد يكون من الأجدى أن نشدد على أهمية (تعليم الدماغ) ككل لأن النصفين يعملان معاً
دائماً. إن المحتوى مهم )النصف الأيسر(  ولكنه يحتاج إلى السياق الذي يعطي المحتوى المعنى، وبالتالي يحفظه من النسيان وهذا مهم أيضاً (النصف الأيمن)  لنسأل أنفسنا كمعلمين: كم مرة أعطينا التلاميذ علامات ممتازة في المواد ولكن لم يستخدموا ما تعلموا لأنهم تعلموه خارج السياق المتعلق بتجاربهم في الحياة؟
ولنسأل أنفسنا عندما كنا تلاميذ، هل ساعدتنا علامة التسعين )من مئة( في التاريخ في فهم وتحليل ما يحدث في العالم اليوم؟ وهل العلامة الجيدة في الرياضيات ساعدتنا في حل مشاكلنا اليومية في الحياة؟
يقول أحد المربين أننا ننتج تلاميذ بمعرفة قابلة للتلف السريع  لأنهم إما ينسون هذه المعرفة بعد الامتحان أو أنهم لا يعرفون أصلاً متى وكيف سيستخدمون هذه المعرفة.
كيف نتعلم ؟؟؟
إن التعلم هو أفضل شيء يقوم به دماغ الإنسان. التعلّم يغير الدماغ لأن الدماغ يستطيع أن يعيد تنظيم نفسه مع كل جديد من تنبيه وخبرة وسلوك. لا يزال العلماء غير متأكدين بشكل دقيق من كيفية حدوث ذلك، غير أن لديهم بعض الأفكار بخصوص ما يحدث. أولاً، هناك منبه ما للدماغ يبدأ العملية، وقد يكون هذا المنبه داخلياً )استدرار
أفكار!(، أو قد يكون خبرة جديدة كحل لغز صور متقاطعة، بعد ذلك يتم فرز أو تحديد المنبه وتتم معالجته على عدة مستويات. وأخيراً، تتشكل الذاكرة التي يمكن أن تسترجع ذلك المنبه.  وهذا يعني ببساطة أن أجزاء المعلومات موضوعة في أماكنها المناسبة لكي يتم تنشيط الذاكرة بسهولة.
ونحن كمربين، فإن الأمر يستحق منا أن نفهم أسس هذه الخطوات، فذلك قد يعطينا تبصراً مفيداً في كيفية تعلّم الطلاب.
بالنسبة لأدمغتنا، فنحن إما أن نقوم بعمل شيء نعرف مسبقاً كيف نؤديه أو نقوم بعمل
شيء جديد. فإذا كنّا نكرر فعل شيء تعلّمناه مسبقاً، فإن هناك فرصة جيدة لأن تصبح الممرات أو الطرق العصبية فاعلة أكثر وأكثر.
التعلّم والتذكر وجهان لعملة واحدة بالنسبة لعلماء الأعصاب. فأنت لا تستطيع أن تتحدث عن أحدهما بمعزل عن الآخر. على أية حال، فإنك إذا تعلّمت شيئاً ما، فإن الدليل الوحيد على هذا التعلّم هو التذكر. للأسف، فإن هذا الجزء الأخير من عملية التعلّم برهن على أنه يشكل تحدياً هائلاً للعلماء. فكلما اعتقدوا بأنهم عرفوه، يكتشفون بأنه أشبه ببيت من المرايا. وباختصار فإنهم لا يزالون يبحثون عن أجوبة لما يدور من
أسئلة عنه. {